الأربعاء، 13 نوفمبر 2013 - 16:00


يرى المحلل السياسي المتخصص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، أن الزيارة الملكية التي يقوم بها الملك للولايات المتحدة الأمريكية فرضها برود القنوات الدبلوماسية المغربية الأمريكية.
وتوقع الفاتحي في حوار لـ"مدار 7" أن تتخلل المناقشات التي ستجرى في البيت الأبيض دراسة امكانية ايجاد حل لتساؤلات طرحها خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، والذي وصفه الفاتحي بـ" الرد الحاسم بعدم قبول دروس في حقوق الإنسان  ممن يشترون تقارير من موظفين يدعون الانتصار لحقوق الإنسان".

1.   ماهي قراءاتكم للخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء؟
بالقدر الذي نبه فيه الخطاب الملكي إلى حجم التحديات التي يضعها الخصوم أمام الوحدة الترابية، انطلاقا من شراء ذمم عدد من المنظمات التي تطلق على نفسها منظمات حقوقية، فإن الملك أكد سبل مواجهة هذه التحديات بالعمل على تجويد أداء التسيير والتدبير المحلي عبر مبادئ الحكامة الجيدة والتوزيع العادل للثروات وبالعمل على مواصلة الإصلاحات السياسية والدستورية وفق مقاربة تدرجية لمواجهة الضغوط الخارجية الحقوقية.
ونحو استيعاب كامل لما يهدد الوحدة الترابية دعا الملك إلى العمل على تنمية الأقاليم الجنوبية لامتصاص غضب المطالبين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لتحجيم انفصالي الداخل الذين يوظفونها لتصريف مواقف سياسية معادية للوحدة الترابية عند زيارات مسؤولين أمميين إلى الصحراء. وتبعا لذلك تم الإعلان عن بداية الشروع العملي لتمهيد أرضية الجهوية المتقدمة، من خلال مشاريع النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية.
كما أن الخطاب الملكي، بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء، يعد ثورة على تدبير سنة 1975. وأن مشكلاتها السكانية و الاقتصادية كتغول اقتصاد الريع بات يفرض ضرورة التدخل لبث روح اقتصادية منتجة ومدرة.
في الخطاب الجديد رد حاسم بعدم قبول دروس في حقوق الإنسان  ممن يشترون تقارير من موظفين يدعون الانتصار لحقوق الإنسان، ففيع أعلن عن وضع سياسة شاملة جديدة لقضايا الهجرة، ترمي إلى تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وهو تطور يصعب تبنيه حتى بالنسبة للدول الأوربية التي تحولت حدودها إلى مقبرة لمهاجري دول افريقيا جنوب الصحراء.

2.   أين تتجلى تداعيات تصريحات بوتفليقة على ملف الصحراء؟
أعتقد أن تصريحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فشلت في أن تمس قوة الموقف التفاوضي للمغرب من نزاع الصحراء، بل أساءت إلى عهدته التي ميزتها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. إذ كيف تحول بوتفليقة بين عشية وضحاها إلى عراب لحقوق الإنسان. في وقت لا زال يتذكر فيه الجميع كيف طرد أزيد من 75000 مغربي سنة  1975 فيما سمي بالمسيرة الكحلاء لأنهم طردوا بعد سلب ممتلكاتهم. ثم كيف يدافع بوتفليقة عن حقوق الإنسان ولا تزال في رقبته انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان منذ سنة 1991 ومشروع المصالحة "الوئام الوطني" الذي لم ينتهي وقد لا ينتهي، لأن الوضع الحقوقي في الجزائر يتدهور باستمرار في عهدة بوتفليقة الذي يبدل في الدستور بما يتلاءم ورغبته في استمرار حكم الجزائر.
وحيث إن الجزائر ليست جنة لحقوق الإنسان في المنطقة، فإنه لا وجود لتداعيات رسالة بوتفليقة إلى أبوجا و التي طالب فيها بوضع آلية بالصحراء لمراقبة حقوق الإنسان، غير سعيه المتواصل الى توتير العلاقات البينية مع المغرب حتى يجد مبررات لعدم فتح الحدود ، بعد تزايد حجم الضغط الدولي على بوتفليقة من المنظمات المالية المانحة ومن الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية الراغبة في هيكلة الإتحاد المغاربي بما يسهم في تقوية الإستراتيجية الأمنية في منطقة الساحل والصحراء.

3.   طرح الخطاب الملكي المفتتح للدورة التشريعية البرلمانية إشكالية تفعيل الدبلوماسية بكل أصنافها في خدمة القضية الوطنية، أي دور يمكن أن تلعبه الدبلوماسية الموازية في هذا المجال؟

تشكل الدبلوماسية الموازية أداة فعالة بعد التطورات الدولية، حيث باتت قوة المجتمع المدني تهيمن على عمل الحكومات، وهو ما يعني بأن الدبلوماسية الرسمية أصبح هامش تأثيرها ضعيفا، لأن القرار بات يصنع لدى العديد من الدول الأوربية على مستوى المجتمع المدني والأحزاب السياسية وفي الإعلام وغيرها من المؤسسات.
وبناء عليه، فإن دبلوماسيتنا اليوم أمام منعطف خطير في ظل الاشتغال بالطريقة التقليدية مع حكومات الدول للحفاظ على مكاسب الموقف التفاوضي المغربي من نزاع ملف الصحراء، فيما لم تُوجِد تراكما للدبلوماسية الموازية التي كان يجب أن تكون جزءا من أداء دبلوماسي عام ومتوازن.
ففي ظل هذه التحرشات بالوحدة الترابية نقف اليوم أمام محاولة لتعبئة الدبلوماسية الموازية إلا أننا لا نملك تصورا للعمل، حول كيفية التحرك وبأي أولويات وهل سيكون التحرك تكتيكيا أم استراتيجيا وبأي إمكانية ونحو أي سقف؟
والحق أن الأداء الدبلوماسي المغربي انْتُقِدَ لضعفه الرسمي والموازي وانتقد لانتظاريته ولعدم توفره على خطة استباقية. وسادت الدعوة إلى إحداث مجلس وطني للدبلوماسية الخارجية، وتطور النقاش إلى مأسسة هذا المجلس في دستور 2011، غير أن هذه الدعوات لم تلق القبول من الجهات الرسمية، الماسكة بملف الصحراء.
وتواصل استشعار الرأي العام المغربي بما يعتبر ضعفا في فعالية الدبلوماسية الرسمية في التعاطي مع الاستراتيجية الجديدة للخصوم، حتى شكل مطلبا مهما يدعو الدولة إلى فتح نقاش وطني عميق يقضي بتفعيل دور الدبلوماسية الموازية، كآلية تعضد العمل الدبلوماسي الرسمي.

4.هل تظن أن الإعلام المغربي يتمتع بالحرية الكاملة للعب دوره في السياسة الخارجية للبلاد؟

هناك حاجة ماسة إلى استراتيجية إعلامية لمواجهة دعاية خصوم الوحدة الترابية، ولا سيما عقب تزايد حجم التهديدات الخطيرة التي يمكن أن تطال الأمن القومي والاستراتيجي فضلا عن استمرار الإخفاق في تحقيق حالة التوازن الإعلامي بين المغرب وخصومه فيما يتعلق بالدعاية لحقوق الإنسان في الصحراء.
وإن كانت الإستراتيجية الإعلامية المغربية بخصوص قضية الصحراء مقصرة كيفا وكما. فإن ذلك يضع مسؤولية تهديد المصالح الحيوية للوطن على عاتق مدبر سياسة الإعلام المغربي الرسمي والمستقل.
ومن تداعيات ذلك امكانية تكبد موقف المغرب التفاوضي لنتائج عكسية. وبرز ذلك بتصاعد الضغوط الحقوقية وتعاظم شوكة مؤيدي البوليساريو من انفصاليي الداخل كما وكيفا، وهو ما حقق عائدا سياسيا قويا للخصوم، فكان نتاج استراتيجية إعلامية جزائرية أكثر تأثيرا من نظيرتها المغربية.
إن حالة التعاطي الإعلامي الرسمي مع القضية الوطنية في الوقت الراهن، لا يزال متحكم فيها برؤية تقليدية تحجب حقيقة أن معركتنا في قضية الصحراء، باتت معركة إعلامية ويجب أن نخوضها بثبات، ولذلك يجب تجاوز بيروقراطية الماسكين بملف الصحراء، والممتهنين لمبدأ المجال المحفوظ للملك في السياسة الخارجية لملف الصحراء.
وأن هذه البيروقراطية في الدبلوماسية الرسمية تحاصر الخط التحريري الذي يكبل المواد الإعلامية المتعلقة بقضية الصحراء، ويتجلى ذلك في حالات الإهمال لعديد من الأخبار المتعلقة بقضية الصحراء وتجاهل عدد مهم من المستجدات التي تعرفها القضية، ولاسيما بعد تردد عدد من المواقف المغاربية والعربية والإفريقية والدولية المعادية لملف الصحراء لأول مرة وخاصة بعد الربيع العربي.

4.   ما هي ابعاد الزيارة التي يقوم بها الملك إلى البيت الأبيض في غضون الأسابيع المقبلة؟
إن زيارة الملك إلى الولايات المتحدة فرضها برود القنوات الدبلوماسية المغربية الأمريكية، بحيث أن الاتصالات الهاتفية بين الملك محمد السادس وأوباما قليلة جدا، إذ لم تتعدى مكالمتين في ظل تطورات عميقة شهدها العالم.
برود خطوط القنوات الدبلوماسية المغربية والأمريكية ترتب عنه عدم استيعاب المغرب لتطورات العلاقات الخارجية الأمريكية، سيما بعد تسلم جون كيري لوزارة الخارجية الأمريكية، وما تلا ذلك من تطور في طاقم الأمن القومي الأمريكي، وبالتالي حصول إختلاف وجهات النظر في كثير من القضايا المغربية الأمريكية ، سيما على مستوى تعهدات المغرب بإجراء إصلاحات كبرى.
كما أن الزيارة الملكية للولايات المتحدة الأمريكية تأتي في ظل تطور جوهري قد يعرفه مسار قضية الصحراء، حيث باتت الورقة الحقوقية أساسية في مسلسل المفاوضات.

وعليه فإنه من المتوقع أن يبحث الملك خلال مناقشاته بالبيت الأبيض عن حل لتساؤل طرحه في خطاب المسيرة الأخير "هل هناك أزمة ثقة بين المغرب و بعض صناع القرار من شركائه الاستراتيجيين بشأن مسألة حقوق الإنسان؟"، ولذلك يرتقب أن يشكل هذا السؤال محور مناقشاته مع أوباما وصناع القرار في البيت الأبيض، إذ يشكل ذلك مفتاح لمزيد من الانتعاش في باقي الملفات المغربية الأمريكية.

كاميليا كريم - الرباط
.