أفضل ما حدث فى يوم الرابع من نوفمبر- يوم المحاكمة التاريخية للرئيس المصرى السابق محمد مرسى- بالنسبة لى، هو أن البلاد من قبيل التغيير لم تنتحب حزنًا على ضحايا العنف السياسى. فالدم والموت قد أضحيا السمة المميزة للسياسة المصرية، كما أن استمرار العنف ساهم فى ترسيخ صورة الدولة غير الآمنة وغير المستقرة. وسيحتاج الأمر وقتًا ومجهودًا لمعالجة تلك الصورة السلبية، فمصر بعد كل تلك الاضطرابات فى أمس الحاجة للعودة للأوضاع الطبيعية، وقد كان الرابع من نوفمبر بكل تأكيد نقطة تحول رئيسية نحو ذلك الاتجاه.
يصعب على الغرب- وأعنى بذلك العديد من الحكومات فى أوروبا وأمريكا الشمالية- أن ينتهى إلى استراتيجية مشتركة يتعامل بها مع الحكومة الانتقالية فى القاهرة. يظل، على الأرجح، القاسم المشترك الأكثر أهمية هو أن الجميع يتفق على الضغط على القاهرة من أجل تبنى نظام شامل غير إقصائى. بمعنى أن جماعة الإخوان المسلمين، التى تعانى تهميشًا، يجب أن يتم إشراكها فى المعادلة السياسية مثلها مثل جميع القوى السياسية الأخرى. كما يظل أحد أصعب التحديات الماثلة أمام الحكومة الانتقالية بعد الثلاثين من يونيو هو كيفية إشراك قوى الإسلام السياسى جميعها فى العملية الديمقراطية. لقد سعت تلك الانتفاضة إلى تحييد- إن لم يكن القضاء على- الجماعات الدينية، ولدينا مؤشرات قائلة إن الأجهزة الأمنية قد نجحت بشكل جزئى أو تام فى تحقيق هذا الهدف. إلا أن تحقيق الاستقرار على المدى البعيد لا يتأتى من الحل الأمنى منفردًا. فالاستقرار الدائم يستلزم توافقًا سياسيًا، أو على أقل تقدير عملية سياسية مفتوحة المجال.
لا توجد أى إشارات إلى وجود محادثات سياسية أو مفاوضات جارية بين القوى المؤيدة للثلاثين من يونيو ومعارضيها، كما أن مثل تلك المحادثات لا تبدو- بالتأكيد- جزءًا من خارطة الطريق السياسية التى قُتلت نقاشًا وبحثًا.
يعى الجميع أن الاقتصاد المصرى المنهك لن يعود إلى معدلات النمو المرجوة قبل عودة الاستقرار مرة أخرى، وتلك هى الحقيقة الساطعة التى تفسر أكثر من أى شىء آخر الشعبية السياسية الاستثنائية للجيش، تلك الشعبية، بطبيعة الأمر، هى ما يزيد الفجوة اتساعـًا مع عدد من القوى الديمقراطية الخارجية. بينما يثق الكثير من المصريين اليوم فى أن الجيش سيعيد الأمور إلى نصابها، بل وسيوقف التراجع الحالى.
من جانب آخر، فقد أظهرت أحداث الرابع من نوفمبر مدى ضعف جماعة الإخوان المسلمين فى حشد أتباعها، وهو ما أصبح جليًا بشكل تدريجى على مدار الأسابيع القليلة المنصرمة مع تضاؤل عدد مظاهراتهم. ذلك التحول المهم قد يكون فرصة جيدة للحكومة لتبدأ بالتقارب مع الجانب المعارض بغرض إبرام صفقة سياسية يتم بموجبها التأسيس للتعافى الدائم.
ما يحدث الآن هو أن الحكومة تظهر قدرًا من القوة، ويبدو أن الناس يرضيها إظهار القوة بعد القلاقل التى عانوها فى الماضى. إلا أن الواقع يقول إنه لا مجال للغطرسة. فالتاريخ- ولا أدل من التاريخ المصرى فى هذه الحالة- يعلمنا أن الشعبية والثقة ليستا إلا بضاعة زائلة، فإن فشلت قوى الثلاثين من يونيو فى تلبية مطالب الخامس والعشرين من يناير، وإن لم يشعر الناس بتحسن قريب فى حياتهم اليومية، فسيؤدى ذلك حتمًا إلى تغير المزاج العام وانقلابه مرة أخرى. هذا ما رأيناه من قبل وقد نراه تكرارًا. وبالرغم من أن المصريين قد لا يودون سماع ذلك إلا أن السنوات القليلة الماضية قد أظهرت أن الذاكرة السياسية هى ذاكرة قصيرة المدى. لنقل ذلك باعتباره جرس إنذار لمن يشغل مقعد السلطة الآن، علهم يتداركون تصرفاتهم ويبدأون بتحقيق نتائج ملموسة.
لقد قالها الشعب المصرى واضحة جلية أكثر من مرة: اكتفينا من الوعود الفارغة.
المدير الإقليمى لمنظمة فريدريش ناومان من أجل الحرية