معاد بادري |
أصبحت لغتنا العربية اليوم تتعرض لهجمات تلو هجمات، من الداخل العربي كما من الخارج . هذه الهجمات لم تأت بمحض الصدفة و ليس دائما من قبيل العداوة. و إنما هي هجمات لها مشروعيتها و أسبابها و دوافعها، يبقى ضعف العربية أكبرها.
لم يستطع العرب منذ قرون تطوير لغتهم و الرقي بها الى مصاف اللغات المتفاعلة مع العصر ، على الرغم من أن أعداد المتحدثين بها و المتحدثين بمشتقاتها من لهجات محلية كبير بالمقارنة مع لغات أخرى.
ففي تقرير لليونيسكو سنة 2010 شمل 6700 لغة و لهجة حية في العالم، تم اعتبار النصف منها قابلا للانقراض مع نهاية القرن الواحد و العشرين ان لم تتطور لتستطيع مواكبة العصر . من بين هذه اللغات المهددة توجد العربية بطبيعة الحال.
منع العربية من الانقراض و جعلها لغة مرنة تتكيف مع تطورات العصر وتستطيع فرض نفسها كأهم لغات العالم لا يتأتى بمجرد الصراخ و الافتخار بماضييها المزهر و قدرتها الابداعية و التصويرية ، و انما يأتي عبر خطوات تحديثية عملية يمكن إجمالها فيما يلي :
1- جعلها لغة علم حديث بالدرجة الأولى و إخراجها من قوقعة العلوم الانسانية و الشرعية فقط . و كي يتحقق هذا الهدف لابد من عمل ضخم تتظافر فيه جهود الدول العربية جمعاء لتوحيد المصطلحات العلمية و ترجمة المراجع العلمية الكبرى ترجمة موحدة توافقية . هنا تعود فكرة إحياء مجمع اللغة العربية و تطويره و تخصيصه كأن يؤسس مجمع لتعريب العلوم الطبية و آخر للمعلوميات ... و يتم التنسيق فيما بينها . بالإضافة الى تعريب جميع المناهج المدرسية و الجامعية و توحيد هذا التعريب بين جميع الدول العربية . و الدفع بالبحث العلمي كي يكون باللغة العربية.
2- فرض اللغة العربية عالميا كي تكون حاضرة في جميع المنظمات و المؤتمرات و الملتقيات الدولية . وهنا يأتي دور الزعماء السياسيين و المتحدثين بإسم الدول العربية و السفراء، لأنهم ان اختاروا، في كل مداخلة دولية يقومون بها، التكلم باللغة العربية فسيجبرون بذلك المجتمع الدولي على تعيين مترجميين للغة العربية في كل النشاطات و المؤتمرات و الملتقيات و بهذا تفرض لغتنا و تصبح لغة عالمية .
3- إعادة رد الإعتبار داخليا للعربية، بحيث تكون اللغة الأولى (بالإضافة الى اللغات القومية كالأمازيغية و الكردية ) للمعاملات الداخلية فيما بين الوزارات و الإدارات العمومية و المراسلات الرسمية، و منع استعمال الانكليزية و الفرنسية الا فيما يتعلق بالمراسلات الخارجية .
4- القيام بحملات إعلامية تحسيسة في الدول العربية -تدعم رسميا- لنزع أفكار من قبيل أن التحدث بلغات أجنبية هو دليل على التحضر و المدنية و الثقافة الواسعة و زرع أفكار جديدة تنمي حس الانتماء لدى الناشئة و تجعلهم يفتخرون بلغتهم و يدافعون عنها . و محاربة اللوبيات الداخلية التي لا تزال تدافع عن الاستعمار الثقافي و تفرض على المجتمع لغة و ثقافة غير ثقافته .
5- تشجيع الإبداع باللغة العربية الحديثة ( أدب - مسرح - سينما ) و دعمه ماليا و معنويا و إحداث جوائز سنوية كبرى لتشجيع المبدعين و التعريف بهم .
6- تطوير محتوى الشبكة العنكبوتية و إغناؤه بمراجع و مواقع عربية،إذ أن المحتوى العربي على النت لا يزال ضعيفا بالمقارنة مع اللغات الأخرى، و إحداث مؤسسات و مراكز و مواقع تهتم بتعليم اللغة العربية لغير المتحدثين بها، و ترجمة جميع المراجع و الموسوعات العالمية على النت الى العربية .
أخيرا ، لا يمكن لأي أمة مهما علا شأنها في الماضي، أن تستمر إن هي لم تحترم نفسها ليحترمها الآخرون . فالمستقبل دائما للأمم القوية التي تطور من نفسها ثقافيا و ليس سياسيا و عسكريا فقط . و لنا العبرة في كثير من الدول التي كانت في الماضي القريب دولا ذات حضارة ميتة و استطاعت في وقت وجيز أن تبعث من جديد و تفرض نفسها عالميا عبر العمل على الذات و التطوير الثقافي و العلمي.
العالم الحديث اليوم يمشي بسرعة كبيرة نحو الأمام، فإما أن نختار السير في المقدمة متيقظين مفتوحي الأعين، و إما أن نستمر في السير نحو الخلف نائمين مغمضي الأعين الى أن نحفر قبرنا بأيدينا.
معاد بادري