الاثنين، 16 ديسمبر 2013 - 00:00

معاد بادري
شهدت نهاية الأسبوع الماضي، تخبطا جديدا للحكومة المغربية بعد تخبطات كثيرة سابقة. إذ أعلنت وزارة الصناعة والتجارة و الإستثمار و الإقتصاد الرقمي، عن إطلاق مشروع قانون أسمته بـ"المدونة الرقمية"، يهم تقنين مجال النشر و التسويق على الإنترنت ويقدم تصورا للإدارة الإلكترونية. 

المدونة سرعان ما ستسحب من طرف الوزير حفيظ العلمي مساء الأحد بدعوى إدخال تعديلات عليها وإطلاق حوار وطني مع المعنيين بها من صحفيين و مدونيين كما صرح بذلك لأحد المواقع الإلكترونية. خطوته هذه قد ترى على أنها في الإتجاه الصحيح، خصوصا و أن المدونة أطلقت من دون التمهيد لها بنقاش عمومي يشمل جميع المعنيين الذين يعملون على النت من صحافيين و مدونيين، و شركات تعمل على التسويق الإلكتروني. كما أنها قد ترى على أنها تخبط و عشوائية للحكومة في تعاملها مع ملفات حساسة.

من جهة ثانية، تعيد خطوة الوزير هذه، التأكيد مرة أخرى على قوة التأثير الشعبي من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، إذ شكلت ليلة أمس مجموعات رافضة لهذه المدونة على مواقع التواصل الإجتماعي، بوسمين-#هاشتاغ- (#عصيان_إلكتروني و #المدونة_الرقمية_لن_تمر) انتشرا بسرعة و لقيا تجاوبا واسعا من طرف الشباب. أعلن الشباب أن المدونة لن تمر، و كذلك كان و لو مرحليا. و هو ما يؤكد على قوة التأثير الذي أصبحت تتمتع به هذه المواقع، خصوصا و أنه قبل خمسة أشهر فقط، كان لها التأثير الفعال نفسه في قضية دانييل و العفو الملكي.

و بإلقاء إطلالة سريعة على هذه المدونة التي نشرت على موقع الأمانة العامة للحكومة، و التي تبدو ضعيفة للغاية من الناحية اللغوية-في نسختها العربية- إذ لا يتمكن قارئها من فهم محتواها الا بصعوبة، نلاحظ ما يلي:

- أن المدونة تبدو جيدة الى حد ما فيما ما يخص : الإدارة الإلكترونية التي تعمد الى تمكين المواطنين من إنجاز معاملات إدارية مختلفة عن طريق الأنترنت. إضافة الى الشق الذي يهتم بتنظيم الإشهار و التسويق الإلكترونيين و كذا الشق الذي يعزز الأمن المعلوماتي و يحمي القاصرين من كل ما قد يسيء إليهم عبر النت. 

- الغير المفهوم في المدونة و الذي احتج عليه بالأساس الشباب الداعي الى العصيان الإلكتروني تمثل في مواد من قبيل :
   
    * المادة 24  التي تنص على " ... احترام الطابع التعددي لتيارات الفكر و التعبير و الرأي ... الإحترام الواجب لشخص الملك و للنظام الملكي ... (احترام) متطلبات المرفق العمومي وللإكراهات التقنية المرتبطة بوسائل الاتصالات الرقمية .." .
نتفهم ما جاء في المادة من احترام للتعددية و توقير للدين الإسلامي، لكننا لا نفهم بالضبط ما الذي يعنيه احترام النظام الملكي؟ كما لا نفهم البتة ماذا يراد بإحترام المرفق العمومي و الإكراهات التقنية ... !!!!!

   * المادة 40 و التي تجبر الناشرين على الإنترنت على تقديم لوائح بالأشخاص الذين قاموا بالتعليق على محتويات نشرت في مواقعهم في حال طلب منهم ذلك . و في هذه المادة تضييق كبير على حرية التعليق و التعبير عن الرأي.

   * المادة 73 و هي المادة التي أثارت جدلا كبيرا على مواقع التواصل الإجتماعي، المادة تنص على " (منع المحتويات التي) .. تتعارض مع الدين الإسلامي أو المعتقدات السياسية للعموم .." ، المعتقدات السياسية للعموم كانت سبب سوء الفهم لدى المتتبعين، اذ اعتبروه تقييدا و توجيها من المدونة تنفي التعددية التي أقرتها في البداية و تتناقض معها. التناقض الآخر والغير مفهوم كذلك يتجلى في ورود هذه المادة في قسم حماية القاصرين، و كأن المدونة تريد أن تقول لا يمكن تلقين القاصر سوى المبادئ السياسية التي يجمع عليها العموم!!!!

   * المادة 77 و المادة 81 و اللتان تعطيان الحق لضباط الشرطة القضائية و أعوان الإدارة بالمشاركة بأسماء مستعارة في المبادلات الإلكترونية قصد تجميع الججج و البحث عن مرتكبي الجرائم الإلكترونية و كذا التنصت و مراقبة الاتصالات الخاصة لمستعملي النت. مادتان تبدوان متجاوزتان نوعا ما و منتهكتان للشفافية التي تدعو إليها المدونة نفسها، خصوصا و أن هناك طرقا أخرى كثيرة توفرها التكنولوجيات المتقدمة للقيام بنفس العمل. 

تبقى المدونة في مجملها ترسانة قانونية جيدة تهدف الى تقنين عالم الأنترنت الغامض و الخطير و حماية مستعمليه، غير أنها لا يجب أن تستغل بأي شكل من الأشكال في التضييق على الحريات القليلة التي تبقت لدى المواطنين المستعملين للنت. كما أنه لا يجب على الرافضين من الشباب الداعي الى العصيان الإلكتروني العمل بمنطق "و إنا عاكسنا" و المشاركة بشكل فعال و مؤثر في الحوار الذي يدعي الوزير اطلاقه -ان صدق-.

معاد بادري

16 Dec 2013
.