ظلت القسطنطنية ( اسطنبول ، اسلامبول ، بيزنطة .. ) لقرون عديدة إحدى أكبر
عواصم الشرق ، منذ أن جعلها الإمبراطور قسطنطين الأكبر عاصمة للإمبراطورية
الرومانية، و أسماها باسمه إلى أن فتحها العثمانيون سنة 1453 بقيادة
السلطان محمد الثاني الفاتح، الذي غير اسمها إلى اسلامبول و جعلها عاصمة للدولة
العثمانية الإسلامية الجديدة. لتصبح بذلك عاصمة دولة قوية منيعة ممتدة لمساحات
شاسعة بين آسيا و أفريقيا و أوروبا.
فما الذي جعل اسطنبول تنهار و تتحول من عاصمة كبرى إلى مدينة محتلة ؟ و كيف
أثر ضعف العثمانيين في خفوت نجمها ؟ و كيف ساهمت الحرب العالمية الأولى في سقوطها
؟ و كيف دخل الحلفاء إليها في اليوم الأسود 13 نوفمبر / تشرين الثاني 1918 ؟
بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني، أحكمت جمعية الاتحاد والترقي سيطرتها
على الدولة العثمانية ، وعينت محمد رشاد سلطانا صوريا للدولة الجديدة سنة 1909 ، مؤرخة
بذلك بداية عصر جديد وأخير في تاريخ الامبرطورية العثمانية . عصر اصطلح عليه
المؤرخون ب " عصر ضباط الجيش ". و قد كان أهم هؤلاء الضباط الثلاثي " أنور باشا" وزير الحربية , ثم " طلعت باشا " رئيس الوزراء و " جمال
باشا " قائد الجيش العثماني في الشام، هؤلاء شكلوا النواة الأولى للإنقلاب
على السلطان و كانوا في العصر الجديد القادة الفعليين للدولة العثمانية خلال الحرب
العالمية الاولى .
كان قطبا الحرب العالمية الأولى الأساسيين : دول المركز (ألمانيا - النمسا
- المجر) ودول الحلفاء (فرنسا -انجلترا-روسيا)، فيما ظلت الدولة العثمانية في وضع محايد،
لكن تهور الجنرال" أنور باشا " وتعاطفه مع الموقف الألماني إضافة إلى
حادثتين مهمتين كانت أسبابا كفيلة بدخول العثمانيين حربا ستجلب لهم الويلات و تقضي
على دولتهم بشكل نهائي .
تسببت الحادثة الأولى في أزمة مع بريطانيا ، ذلك انه قبيل اندلاع الحرب
طلبت الدولة العثمانية من احد المصانع البريطانية صنع باخرتين حربيتين لها، ولأن
الدولة كانت تعيش أزمة مالية خانقة فقد قررت دفع ثمن الباخرتين عن طريق الاكتتاب
العمومي .تحمس الشعب وباعت النساء الحلي والمجوهرات، ودفع الموظفون جزء من رواتبهم
من اجل تسديد ثمن الباخرتين. لكن، ومع اندلاع الحرب امتنعت بريطانيا عن تسليم
الباخرتين مما أدى إلى استياء شعبي وحكومي
، ونشبت العداوة الأولى مع أقوى دول الحلفاء .
فيما تمثلت الحادثة الثانية في لجوء طاردين ألمانيين إلى مضيق الدردنيل
العثماني هربا من القوات البريطانية , في وقت كان العثمانيون ملتزمون فيه بالحياد وعدم
التدخل علنا ولكنهم كانوا يدعمون الألمان في السر و حريصون على عدم التخلي عنهم. ولتجاوز
المشكلة منحت الحكومة العثمانية الجنسية العثمانية للطاقم الألماني وأدمجتهم ضمن
طاقمها البحري للطرادين بقيادة الأميرال الألماني "سوشون"، حينها خلع الأميرال
و بحارته قبعاتهم ولبسوا الطرابيش الحمر وأصبحوا ضباطاً رسميين في البحرية
العثمانية.
بالإضافة إلى هذه الأحداث، كانت للإمبراطورية العثمانية عداوة قديمة و
مستمرة مع نظيرتها الروسية ، فقد خاض الكيانان اثنتا عشر حربا، كانت آخرها سنة
1877 والتي انهزم فيها العثمانيون و خسروا فيها أراضي شاسعة لصالح روسيا وصربيا والمجر
وبريطانيا ,
كل هذه العوامل جعلت العثمانيين يتنازلون عن الحياد وينحازون لصالح ألمانيا
و بالتالي دول المركز ويعلنون دخولهم الحرب في 31 أكتوبر1914.
بالعودة الى بداية الحرب العالمية الأولى وبالنظر في أسبابها، نجد أن صعود
الحس القومي في مختلف أنحاء العالم كان من ابرز الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب (
كالقومية السلافية)، ولم تسلم الدولة العثمانية من الحس القومي داخلها ، فظهرت
فئات تطالب بالقومية العربية وأخرى بالقومية التركية، علاوة على نشأة التحالفات
بين الدول، الشيء الذي ساهم في تدويل الحرب.
خاضت الدولة العثمانية الحرب على صعيدين اثنين الأول عسكري و الثاني سياسي:
عسكريا حاول أنور باشا اجتياح روسيا من الشرق في عز الشتاء، ولكنه مُني
بالفشل واضطر للانسحاب ليبدأ الإنجليزهجومهم على الدولة العثمانية و يدخلون فلسطين،
في حين سقطت سوريا في يد فرنسا.
أما سياسيا فقد شهدت تلك الفترة الاتفاقات الشهيرة تاريخيا و نقصد هنا اتفاق
سايكس-بيكو الذي يقضي باقتسام الإمبراطورية بين فرنسا وانجلترا، كذا وعد بلفور
الذي تتعهد بموجبه بريطانيا باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. عوامل أضيف إليها
الثورة العربية الكبرى و التي شتتت جهود العثمانيين ،مما أدى الى هزيمتهم واحتلال
عاصمتهم اسطنبول يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 1918.
زيد فاخي - مدار 7